هل النقاب أمر فقهى ودينى فقط أم له ظلال اجتماعية؟ هل ينبغى قراءة النقاب قراءة فقهية فى كتب الدين، أم يجب أن نقرأه قراءة سوسيولوجية تاريخية نفسية فى كتب علم الاجتماع ومجلدات التاريخ ومجلات السيكولوجى؟ بالطبع وبالتأكيد حصر النقاب فى ركن الدين واحتكار الشيوخ لمناقشته هو أمر غير علمى ولن يؤدى إلى أى فهم أو أى نتيجة؛ لنترك تناول كتب الفقه للنقاب ونتجه لكتب التاريخ وعلم الاجتماع لنفهم جذور هذا اللثام، سنجد ونعرف بسهولة أن النقاب عادة قديمة جداً لم ينفرد بها المسلمون بل هى أقدم من الديانات السماوية فقد عرفه الآشوريون والبابليون والفرس، والمدهش أنه لم يكن مقتصراً على النساء بل ارتداه الرجال أيضاً، فكان بعض فرسان العرب فى الجاهلية يلبسون النقاب إذا حضروا لسوق عكاظ للتخفى ممن يريدون الثأر منهم، وتجد هذه العادة موجودة حتى الآن فى بعض مناطق الشمال الأفريقى الذى يتبرقع فيها الرجال، ولم يكن الدافع فى تلك العصور دينياً، كما يقول الدكتور شوقى الفنجرى، بل كان الهدف ينحصر فى الوقاية من الظروف المناخية والتخفى عن الأعداء، وأيضاً لم يكن النقاب حينذاك دليلاً على العفة فبالعكس، وكما يقول كتاب «المرأة العربية فى الجاهلية» كان النقاب أكثر شيوعاً بين البغايا لإخفاء وجوههن فى الطريق، وفى لقاءات العشاق، وفى ذلك يقول الشاعر الجاهلى الحارث بن كعب: «ولا طرحت عندى بغى قناعها!!»، وبعدها أصبح النقاب تقليداً إقطاعياً حين كان الإقطاعى يعتبر زوجاته وحريمه مثل خيله وأبقاره ملكاً ومتاعاً له لا بد أن يعزله عن العيون، وجاء الإسلام وحرر المرأة وكما ذكرنا فى السابق لم تعرف المرأة المسلمة النقاب على عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) بل ظهر النقاب فى بداية انهيار الدولة الإسلامية فى عصر المماليك الذين كانوا يعتدون على النساء مما ألزمهن بيوتهن وعرفن وقتها اليشمك والبرقع إلى آخر هذه الأسماء التركية البغيضة، وتوغل الفكر التركى المتخلف حينذاك، فكر الحرملك والمشربية والخصيان، وسيطر على فكرنا الإسلامى، ومن ضمن الوثائق الطريفة التى تبين كيف شوه الأتراك إسلامنا الحنيف وثيقة فرمان السلطان سليمان بن سليم فى القرن الـ16، الذى أصبح بموجبه المالك الحر لكل أرض مصر، وبما أننا قد تعودنا على أن تزيد نغمة التدين الزائف والشرف المفتعل مع ظهور السرقة وتفشى الظلم الاجتماعى فقد كان لا بد أن يحتوى الفرمان على هذه الجملة التى تداعب غرائز الجهلة، فقد قال السلطان لا فض فوه: «كل امرأة تسير كاشفة وجهها فى الطريق بغير نقاب تعاقب بقص شعرها بالشفرة -الموسى- وتمتطى حماراً بالمقلوب وتعرض فى الأسواق العامة»!! [كان النقاب هو المرادف للأنثى المتاع، الشىء، الجارية، المحظية، وقد صدق شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال: «ليست نساؤكم حلياً وجواهرَ خوف الضياع تصان فى الأحقاق ليست نساؤكم أثاثاً يقتنى فى الدور بين مخادع وطباق تتشكل الأزمان فى أدوارها دولاً وهن على الجمود بواقى ربّوا البنات على الفضيلة إنها فى الموقفين لهن خير وثاق وعليكم أن تستبين بناتكم نور الهدى وعلى الحياء الباقى». ومن الشعر إلى القانون الذى لا يعترف فى البطاقة الشخصية أو فى الرخصة أو فى جواز السفر إلا بسافرة الوجه، أى أن الوجه هو مرآة الإنسان وهويته، فلماذا نخاف ويصيبنا الرعب إذا قرر عميد كلية أو مدير مؤسسة أو ناظر مدرسة منع النقاب، ونظل نهاجم من يفعلون ذلك وننافق من يجبرن على خلعه وكأنهن تعرضن لهتك عرض!! النقاب ليس فرضاً وإنما هو من بقايا عصر الإقطاع والعبودية، وهو فى هذا العصر المعقد المتشابك ليس من قبيل الحرية الشخصية بل هو من قبيل الخطر الأمنى والاجتماعى، وهو لا يلغى الوجه فقط بل يلغى العقل أيضاً وينفى دور المرأة الاجتماعى، ويشارك فى هذا الوهم بعض الرجال الذين يعانون من الهوس الجنسى والغيرة الكاذبة المصطنعة وعدم الثقة بالنفس، هؤلاء هم مدمنو هجر صحيح الدين لجيتو التنطع الزائف والشكلية المقيتة التى تجعلنا نعيش شيزوفرينيا حادة هى نتيجة أن كل فرد يريد فعل أى شىء أو ارتكاب أى فوضى يهددنا بأنه يمارس صحيح الدين ويحتكره، والحقيقة أنه يهدد المجتمع والفرد وقبل كل ذلك الدين نفسه.